أحمد عبدالعال فنان تشكيلي سوداني وعالمي,, وقد بنى كل تجربته على فكرة التوحيد (شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله)، استفاد من الحضارة العربية الإسلامية وجمالياتها بوصفها حضارة توحيدية كونية، لذلك قام بالدعوة لتأسيس جمالي جديد يستفيد من الإمكانيات الجمالية والفكرية للحضارة الإسلامية وتجربتها التاريخية التي امتدت عبر بيئات متعددة فقام بتأسيس مدرسة الواحد التشكيلية التي نورد هنا ما كتبه برفيسور أحمد عبدالعال عنها:
الـرؤيـة والتجربة
الذي أراه أني أتحقق عبر عملي الفني، انسجاماً مع العملية الإبداعية أثناء تطورها عبر مراحل فيها من المحو وفيها من الإثبات والاختيارات النهائية التي قد تكون وليدة خبرة مُستقصية أو نتاج فجاءة كالبشارة التي تهل بعد مكابدة ومعالجات متعددة. إذن وجودي وإنتاج عملي هما عمليتان متساندتان في تلازم، وأعني بوجودي الشروط الحياتية والروحية كافة واستقرارها في العمل الجمالي.. في التلوين أو النحت أو التصميم أو النص الإبداعي في الكتابة. ومن المؤكد عندي... وراء هذه المكابدة أجد شيئاً من رضي السعي نحو قدر من الـتـوازن بـيـن الخيال الـموضوعي وبين إرادتي، وإلحاحي علي تحقيق صورة " العمل " عـبر الوسـائط من ألوان وخامات أخرى، وكلمات وحروف. هنا تنجلي الصورة التي تجمع بين الشخوص والأحوال والذكريات والإشارات والمعارف والأخبار والمواقف.. هي إذن، تلك " الصورة " التي تتجاذبها عناوين وعناوين، فيها من انسجام الإرادات.. وفيها من تناقض الإرادات ما فيها.
إن ثمة إملاء فكري هو الحاكم علي الأداء التشكيلي في تجربتي، الأمر الذي يجعلني لا أري فيها مخايل زينة أو تزيين أو حلية لطيفة لمساحة في المكان.. أو في الزمان.
ظلت قناعتي تتطرد نحو استلهام جديد لجوهر التجربة التاريخية للحضارة العربية الإسلامية بوصف أن هذه الحضارة هي آخر حضارة أقامها الناس علي الكتاب الخاتم وعلي تـمظهر الوحي الكريـم في الحـيـاة الـنـبـوية الـشـريفة، وما تـلي ذلك – عبر قرون – من بناءات روحية وفكرية وعلمية وأدبية.
ومن هنا أجد في تجربتي مبحثاً متنامياً لجمالية.. هي جمالية " الصورة " لما بعد الحرف.
اليوم لقد تغير العالم بما لا يقاس علي عالم الأمس، ولقد تغير المسلمون أنفسهم مقارنة بأجيال الأمس، والأمر عود علي بدء، وقد تشبه البدايات النهايات ولا تشبهها في آن واحد. إن سبلاً لا حصر لها تمتد لتفضي إلي تعبيرات جمالية مستجدة، ومستـمـدة من " دراما " وعينا بعالمنا الراهن وبمستقبله، هذه السُبل الجديدة لا تكون إلا باقتران وثيق بتجدد تجربة السمع وحسن التلقي في شهود للعالم، فـالكتاب بـاقٍ محفوظ بإذن الله، وإن تشوشت ووهنت تجربة التلقي والسمع إلي حبن.. فهي بلا شك لم تنختم !. هنا يرتكز مبحثي الجمالي علي ما أسميه " المجال الحيوي للصورة المتخلقة من بعد الحرف " ومادة هذا المبحث كلها " أمشاج " تجد تفاعلها علي شرط " توحيدي " لإنجاز الصورة في المجال الحيوي لما بعد الحرف. وهذا هو عينه ما عبرت في إشارة مختزلة في البيان الأساس " مدرسة الواحد ". (أنه لا قيمة لتعبير فني دون مدلول حضاري) فعالمنا اليوم بأبعاده كافة وبمجريات أحداثه وشؤونه أسعي لتمثله " توحيدياً " في صورة العمل.. وإذا ما تبقي شيء من حرف أو كتابة عربية تجاور " الصورة " أو تتخللها فتلك إشارة لهيولي الكتابة والحرف، وأبـعـد من ذلك، هي إشـارة للسقف الـوحيـوي الأعلي لـجـمـالـية " الوجود / الكتاب ". إن أفكاراً وأعمالاً متصلة ضمن هذا المبحث إمتدت بها تجربتي منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي وحتي اليوم لتفسير البيان الأساس " لمدرسة الواحد " ومن بينها كتابي المُسمي " أمشاج " ومادته هي رحلة الصورة من حيز اللون والكتلة والملمس إلي حيز الكلمة علي صعيد إدراك متعدد المستويات. وغاية ما أبتغيه من وراء ذلك كله هو استكشاف القدرة علي إنجاز جمالي يعبر عن الذات المسلمة.. وهو أمر يظل أيضاً علي ارتباط بوعي هذه الذات برسالتها وبوجودها تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، وهو أمر يظل أيضاً علي ارتباط بقدرة هذه الذات علي تجديد منطقها الحضاري والثقافي اليوم وغداً بإذن الله.* منقول*